في مثل ذلك الوقت هناك أشخاص حريصون على استغلال وقتهم، وتطوير عقولهم، ويستمعوا إلى الفيديوهات الطويلة ذات الفائدة العظيمة. ولكن على الجانب الآخر هناك حوالي ٩٠٪ من الأشخاص يشاهدون الفيديوهات القصيرة على يوتيوب أو تيك توك أو الريلز على الإنستجرام.
وللأسف الشديد أن الوتيرة السريعة لهذه الفيديوهات أصبحت هي الثقافة السائدة عند الناس، وبدون مبالغة عندما يجلس الفرد، ويشاهد هذه الفيديوهات لا يشعر بوقته وبنفسه إلا بعد مضي ساعات طويلة. ولكن في ظل انتشار هذه الثقافة الغريبة على وتيرة سريعة يتبادر إلى ذهني سؤال وحيد.
هل الفيديوهات القصيرة لها أي تأثير سلبي على التركيز والقدرات الذهنية؟ وتحديداً هل يوجد أي تأثير لها على الأطفال؟
والسؤال الأهم هنا لماذا أصبحت تطبيقات السوشيال ميديا خلال السنوات الأخيرة تحتوي على الفيديوهات القصيرة أو الريلز؟
متى بدأ ظهور الفيديوهات القصيرة ومن المسئول عن ذلك؟
في عام ٢٠١٤ ظهر تطبيق هاتف يسمى “ميوزكلي” وفكرته أن الأشخاص يحركون فمهم والغناء مع الأغاني الشهيرة، والشاهد في القصة أن مدة الفيديوهات المسموح بها في التطبيق تتراوح ما بين ١٥ث إلى ٦٠ث، وهذه المدة القصيرة وقتها كانت غير مألوفة بين الأشخاص.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك شركة مقرها في الصين تسمى “بايت دانس” وهي شركة متخصصة في التكنولوجيا ومؤسسها يدعي”جانج يمينج” وحاول إنشاء تطبيق هاتف أكثر من مرة، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، وظهر في عام ٢٠١٦ تطبيق اسمه “دوينج” وفكرته أن يصور الأشخاص أنفسهم فيديوهات قصيرة، إضافة إلى ذلك كان التطبيق يتيح وضع الموسيقي على هذه الفيديوهات وأيضاً يتيح خاصية تسريع أو إبطاء الفيديو، ونجح هذا التطبيق نجاحاً واسعاً في الصين.
وهنا لجأت شركة”بايت دانس”إلى تجربة حظها في اختراق السوق العالمي؛ ولأجل ذلك كان لابد من تعاونها مع شركة كبيرة تساعدهم على التوسع أكثر فأكثر.
ووقتها وقع الاختيار على أفضل شركة تناسبهم وهي شركة “ميوزكلي”، وبما أن أليكس وليو يانج مؤسسو التطبيق كانوا من أصل صيني، أدى ذلك إلى جعل الصفقة بينهم سريعة وسهلة.
وبالفعل قامت شركة “بايت دانس”بشراء شركة “ميوزكلي” بصفقة تتراوح من ٨٠٠ مليون دولار إلى مليار دولار. ومن ثم تم دمج تطبيق “دوينغ” مع تطبيق”ميوزكلي” ونتج عن هذا التزاوج هجين جديد خطير يسمى “تيك توك”.
وبالفعل الأشخاص في “ميوزكلي” أُضِيفُوا تلقائياً إلى “تيك توك” وكانوا هم أساس القاعدة الجماهيرية الذي انطلق منها التطبيق.
مراحل شهرة تطبيق تيك توك
كان تيك توك تطبيقاً عادياً ومنتشراً، وينزله الأشخاص ولكن وقتها كان بمعدل ثابت، ولكن في نهاية عام ٢٠١٨ حصل شيء غير كل الموازين وهو أنه بعد إطلاق تيك توك بسنة حصلت جائحة كورونا، وكان العالم بأسره في المنازل، ولكن كان هناك فراغ شديد وفجأة بدأ معظم الأشخاص يقومون بتنزيله بمعدل سريع جداً في فترة الحجر الصحي، ويعرفونه على أنه تطبيق مُسلي؛ ومن ثم تطور إلى فيديوهات طبخ سريعة وفيديوهات كوميدية قصيرة وغيرهم.
واستغلت شركة “بايت دانس” إقبال الناس على تنزيل التطبيق، وقاموا بحركة خبيثة وهي اللعب في خوارزميات التطبيق، بحيث تسمح للفيديوهات بالانتشار بمعدل سريع وواسع وأي فيديو قصير كان يجلب آلاف المشاهدات بسهولة، ومن غير عناء، وأدى ذلك إلى تشجيع الكثير من الأشخاص بعمل محتوى عليه.
ومع حلول عام ٢٠٢٠ كان معدل الأشخاص الذين حملوا التطبيق أكثر من ٨٠٠ مليون شخص.
موقف منصات التواصل الاجتماعي الكبرى من الانتشار السريع لتيك توك
كان هذا الأمر أشبه بالصدمة لكل منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة؛ لأنه لم يكن من المتوقع ظهور تطبيق ينمو وينتشر بهذا المعدل الرهيب. وعلى إثر ذلك كان لابد من التحرك والنهوض قبل أن يحتل تيك توك الأنظار كلها.
وطالما الفيديوهات القصيرة هي التي تعجب الكثير من الأشخاص، أدى ذلك إلى ظهور مقاطع الريلز في الفيسبوك والإنستجرام وظهور مقاطع الشورتس في اليوتيوب.
وللأسف انتشار عدوى الشورتس في كل منصات التواصل الاجتماعي، وحتى انتشارها في المواقع الإخبارية مثل BBC وغيرهم.

تأثير الفيديوهات القصيرة على الدماغ
من أكبر مشاكل الفيديوهات القصيرة هي:
١. تشتت الذهن وقلة التركيز
هناك ظاهرة تحدث في العالم أجمع وهي أن التركيز الجماعي للناس يقل مع الوقت، والسبب الأساسي في ذلك هي تطبيقات السوشيال ميديا، وإضافة إلى ذلك ظهور الفيديوهات القصيرة جعل الوضع يزداد سوءاً.
ومن المؤكد أن فترة الانتباه عند البشر تختلف من شخص لآخر، ولكن في العموم ظهر في الفترة ما بين ٢٠٠٠ ل ٢٠١٥ فترة الانتباه وصلت ل ٨ ثوان، ولكن في الفترة ما بين ٢٠١٥ ل٢٠١٩ وصل الرقم ل٦ ثوان فقط.
وأدى ذلك إلى أن معظم الأشخاص يعانون صعوبة في ممارسة الأنشطة التي تحتاج وقتاً وجهداً، وأصبح يوجد كسل ذهني غير عادي، ولم يعد لديهم القدرة على التركيز في التعليم واكتساب المهارات الجديدة وممارسة الأنشطة التي تحتاج صبراً وتركيزاً.
٢. ضعف في الذاكرة
مع ظهور المعلومات السريعة واختفائها باستمرار أدى إلى عدم إعطاء الدماغ فرصة كافية ليعالج ويتعامل مع المعلومات بشكل سليم.
تأثير الفيديوهات القصيرة على العاطفة
الوتيرة السريعة للفيديوهات القصيرة تؤثر في التنظيم العاطفي عند الشخص (شخص يشاهد فيديو حزين ووراءه مباشرة فيديو سعيد)، أصبح هناك كوكتيل من المشاعر المختلطة مع بعضها في دقائق معدودة.
هذا السلوك يؤدي إلى تبلد في المشاعر تجاه الناس، ويؤثر في العلاقات الاجتماعية بالنسبة للكبار.
كيف يتأثر الأطفال بالفيديوهات القصيرة؟
الأمر أخطر بكثير بالنسبة للأطفال.
الأطفال والمراهقون في سن صغير مازال دماغهم في مرحلة النمو، ولكن مع تعرضهم المستمر للفيديوهات القصيرة تتأقلم دماغهم مع التغيرات السريعة، ويفقدون “التركيز المُوجّه”.
في العادة صناع المحتوى الذين يعرضون مقاطع الريلز هدفهم الوصول إلى تقديم محتوى قبل انتهاء الدقيقة، وهذا يؤثر في الطفل في جعل نظرته تجاه العالم محصورة في النمط السريع للأحداث. مما يؤدي إلى فقد الشغف في التعامل مع أي شيء سرعته بطيئة أو عادية.
وعند النظر إلى الواقع نرى الطفل المدمن للريلز يستحيل أن يلعب بالمكعبات، أو يشاهد فيلماً طويلاً مفيداً، ويعتبره مملاً جداً، وأيضاً تجده لا يحب قراءة الكتب وبالتبعية لا يحب المذاكرة.
العلاقة بين الفيديوهات القصيرة والإدمان
هناك الكثير من الأبحاث تؤكد أن الفيديوهات القصيرة نوع من أنواع الإدمان.
ولتوضيح ذلك، يفرز هرمون السعادة أو الدوبامين عند رؤية الشورتس لفترة طويلة، وذلك يشابه كثيراً تعاطي المخدرات.
ويكون سلوك الطفل عصبياً ومندفعاً، ويصل لمرحلة الاكتئاب عند حرمانه من الشورتس.
ويعاني اضطرابات مثل:
- مشاكل في النوم والاستيقاظ
- التوهان وعدم التركيز
- عدم ثقة بالنفس ورهاب اجتماعي؛ مما يؤدي إلى التأخر اللغوي؛ لأن الطفل لا يستطيع التعامل مع الأشخاص.
الحل المثالي للأطفال
- من الأساس عدم إعطاء الطفل الهاتف، وإن أصر الطفل نعطيه الهاتف لوقت محدود جدا.
- منع الريلز عنهم تماماً سواء تيك توك أو الريلز على فيسبوك أو الشورتس على يوتيوب.
- لا بد من جعل الطفل يلعب وجعله يحب قراءة القصص وقيامه بالعديد من الأنشطة، وذلك لملء الفراغ الذي سيتركه الهاتف في حياته.
الحل المثالي للكبار
- قراءة الكتب والمقالات الطويلة. في البداية سيكون صعباً أن تلتزم، ولكن مع الوقت ستبدأ باستعادة قدراتك مرة ثانية.
- ممارسة الأنشطة الطويلة والتي تحتاج وقتاً وجهداً.
- مشاهدة مقاطع فيديو طويلة ومفيدة وصحية أكثر لعقلك.
وفي النهاية لا بد من التحكم في أنفسنا وإشغال أوقاتنا بكل مفيد، حتى نتخلص من تأثير هذه المقاطع القصيرة الضارة علينا وعلى أولادنا.